ME...

ME...
MUSCAT-OMAN 2005

Selasa, 28 April 2009

قبول رواية المبتدعة

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين وأتقى الناس أجمعين.
وقد دارت في ذهني مسألة تكلم فيها الناس عوامهم وعلماءهم وهي مسألة قبول رواية من اتهم ببدعة. فأقول وبالله التوفيق:
قال المنذري:
وقد اختلف أهل العلم في أهل البدع كالقدرية والرافضة والخوارج. فقالت طائفة لا يحتج بحديثهم جملة. وذهبت طائفة إلى قبول أخبار أهل الأهواء الذين لا يعرف منهم استحلال الكذب ولا الشهادة لمن وافقهم بما ليس عندهم فيه شهادة. وذهبت طائفة إلى قبول غير الدعاة من أهل الأهواء، فأما الدعاة فلا يحتج بأخبارهم. ومنهم من ذهب إلى أنه يقبل حديثهم إذا لم يكن فيه تقوية لبدعتهم. انتهى كلام المنذري
جاء في سير أعلام النبلاء في ترجمة الحافظ أبي بكر هشام الدستوائي البصري وحديثه في الكتب الستة: "قال الحافظ محمد بن البرقي قلت ليحيى بن معين أرأيت من يرمى بالقدر يكتب حديثه؟ قال نعم قد كان قتادة وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة وعبد الوارث (وذكر جماعة) يقولون بالقدر وهم ثقات يكتب حديثهم ما لم يدعوا إلى شيء.
وقال الذهبي هذه مسألة كبيرة وهي القدري والمعتزلي والجهمي الرافضي إذا علم صدقه في الحديث وتقواه ولم يكن داعية إلى بدعته فالذي عليه أكثر العلماء قبول روايته والعمل بحديثه.
وترددوا في الداعية هل يؤخذ عنه؟ فذهب كثير من الحفاظ إلى تجنب حديثه وهجرانه، وقال بعضهم إذا علمنا صدقه وكان داعية ووجدنا عنده سنة تفرد بها فكيف يسوغ لنا ترك تلك السنة؟! فجميع تصرفات أئمة الحديث تؤذن بان المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام ولم تبح دمه فإن قبول ما رواه سائغ.
قال عبد الفتاح أبو غدة "وهذه المسألة لم تتبرهن لي كما ينبغي، والذي اتضح لي منها أن من دخل في بدعة ولم يعد من رؤوسها ولا أمعن فيها يقبل حديثه كما مثل الحافظ أبو زكريا (يحيى بن معين) بأولئك المذكورين وحديثهم في الكتب الإسلام لصدقهم وحفظهم.
وقال السيوطي في تدريب الراوي نقلا عن الحافظ ابن حجر: التحقيق أنه لا ترد رواية كل مكفر (بفتح الفاء) ببدعته لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة، وقد تبالغ في ذلك فتكفرهم، فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف.
والمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة أو اعتقد عكسه. أما من لم يكن كذلك وانضم إلى ذلك ضبطه لا يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله.
قال الشيخ بخيت: وعلى كل حال فلو رددنا الروايات بمثل هذا لم نقبل رواية قط إلا ممن أجمع الكل على أنه غير مبتدع...ومن ذلك تعلم أن الحق قبول رواية كل من كان من أهل القبلة يصلي بصلاتنا ويؤمن بكل ما جاء به رسولنا مطلقا متى كان يقول بحرمة الكذب. فإن كل من هو كذلك لا يمكن أن يبتدع بدعة إلا وهو متأول فيها مستند في القول فيها إلى كتاب الله أو سنة رسوله بتأويل رآه باجتهاده وكل مجتهد مأجور وإن أخطأ.
نعم إذا كان ينكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة أو اعتقد عكسه كان كافرا قطعا لأن ذلك ليس محلا للاجتهاد بل هو مكابرة فيما هو متواتر من الشريعة معلوم من الدين بالضرورة فكان كافرا مجاهرا فلا يقبل مطلقا حرم الكذب أو لم يحرمه.
ثم إن النقاد اختلفوا في توثيق راو أو تضعيفه لأن الجرح والتعديل من الأمور الاجتهادية ولا يسلم أحد غير الرسول صلى الله عليه وسلم من معدل ومجرح.
فمن ذلك أبو الزبير المكي وعبد الملك بن أبي سليمان وحكيم بن جبير ترك شعبة الرواية عنهم مع أن غير واحد من الأئمة حدثوا عن أبي الزبير وعبد الملك وحكيم بن جبير.
قال عطاء بن أبي رباح كان أبو الزبير أحفظنا للحديث.
وقال أيوب السختياني حدثني أبو الزبير وأبو الزبير أبو الزبير، قال سفيان بيده يقبضها، قال أبو عيسى إنما يعني به الإتقان والحفظ.
وقال سفيان الثوري كان عبد الملك بن سليمان ميزانا في العلم.
وسأل علي بن المديني يحيى بن سعيد عن حكيم بن جبير تركه شعبة من أجل الحديث الذي روى في الصدقة، وقد حدث عن حكيم سفيان الثوري وزائدة ولم ير علي بحديثه بأسا. انتهى كلام الترمذي.
واورد هنا اختلاف المحدثين في الاحتجاج بمحمد بن إسحاق وشبابة بن سوار.

محمد بن إسحاق
فمحمد بن إسحاق بن يسار أثنى عليه كثير من العلماء وذمه الآخرون. وأما البخاري ومسلم فلم يحتجا به في صحيحيهما البتة، وإنما أخرج له مسلم أحاديث في المتابعات لا في الأصول، وكذلك البخاري لم يخرج له شيئا في الأصول وإنما ذكره في الاستشهاد، جريا على عادتهما فيمن لا يحتجان بحديثه كما فعله البخاري في ابي الزبير المكي وسهيل بن أبي صالح وكما فعله مسلم في عكرمة مولى ابن عباس وشريك بن عبدالله.
فشعبة وسفيان يقولان في محمد بن إسحاق: أمير المؤمنين في الحديث، مع أن مالك ويحيى بن سعيد يجرحانه.
قال سليمان بن داود قال لي يحيى بن سعيد أشهد أن محمد بن إسحاق كذاب. قال قلت ما يدريك؟ قال قال لي وهيب بن خالد إنه كذاب. قال قلت لوهيب ما يدريك؟ قال قال لي مالك بن أنس أشهد انه كذاب. قلت لمالك ما يدريك؟ قال قال لي هشام بن عروة أشهد أنه كذاب. قال لهشام ما يدريك؟ قال حدث عن امرأتي فاطمة بنت المنذر وأدخلت علي وهي بنت تسع سنين وما رآها رجل حتى لقيت الله.
قال عبدالله بن أحمد بن حنبل فحدثت أبي بحديث ابن إسحاق فقال وما ينكر هشام لعله جاء واستأذن عليها وأذنت له أحسبه قال ولم يعلم هوظز وقال أحمد بن حنبل مرة أخرى وقد يمكن أن يسمع منها تخرج إلى المسجد أو خارجة فسمع.
وقد كان هشام نفى رؤيته لها ولم ينف سماعه منها. وقال علي بن المديني: الذي قال هشام ليس بحجة، لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها.
فمن ترك الاحتجاج بحديث ابن إسحاق احتمل أن يكون تركه للقدر أو للتشيع أو للتدليس على رأي من يرى ذلك قادحا. ومن احتج بحديثه احتمل أن يكون لا يرى البدعة مانعة ولا التدليس.
وجاء في الكامل لابن عدي في ترجمة محمد بن إسحاق أنه أي ابن عدي حضر مجلس الفريابي وقد سئل عن حديث لمحمد بن إسحاق وكان يأبى عليهم. فلما كرروا عليه قال محمد بن إسحاق فذكر كلمة شنيعة فقال زنديق.
قال عبدالفتاح: فانظر ما أوسع ما بين طرفي تويثق ابن إسحاق وجرحه فسبحان الله. الفريابي يقول في أمير المؤمنين في الحديث زنديق كبرت كلمة هو قائلها فإنا لله وإنا إليه راجعون...
فقد قال مالك في ابن إسحاق إنه دجال من الدجاجلة. وقال فيه شعبة إنه أمير المؤمنين في الحديث. فهذان الإمامين اختلفا في رجل واحد. فبسبب هذا الاختلاف حصل اختلاف الأئمة في التصحيح والتضعيف.
قيل لما قال ابن إسحاق اعرضوا على علم مالك فأنا بيطاره. فبلغ مالكا فقال تلك الكلمة الجافية التي لو لا جلالة من قالها وما نرجوه من عفو الله عن فلتات اللسان عند الغضب. فلما وجدناه خرج مخرج الغضب لم نره قادحا في ابن إسحاق فإنه خرج مخرج جزاء السيئة بالسيئة، على أن ابن إسحاق لم يقدح في مالك ولا في علمه. فنظرنا كلام شعبة في ابن إسحاق فقدمنا قوله لأنه خرج مخرج النصح للمسلمين ليس له حامل عليه إلا ذلك.
ولا يكون الجرح والتعديل متعارضا إلا إذا كان كل من الجرح والتعديل للراوي خاليا من السبب القادح فيه. أما إذا كان الجرح غير سليم بأن كان ناشئا عن الغضب أو الكراهية وكان التعديل سليما على الجادة فلا يلتفت إلى ذلك التعارض.

شبابة بن سوار
فقد احتج به البخاري ومسلم في صحيحيهما وحدث عنه ثلة من الأئمة مثل احمد بن حنبل وعلي بن المديني وابن معين وابنا ابي شيبة وإسحاق بن راهويه. وقد تكلم فيه بعضهم فقال أحمد بن حنبل تركته ولم أرو عنه للإرجاء وكان داعية.
وقيل لعلي بن المديني عن حديث شبابة الذي رواه عن شعبة في الدباء فقال علي أي شيء تقدر أن تقول في ذاك؟ يعني شبابة ، كان شيخا صدوقا إلا انه كان يقول بالإرجاء ولا ينكر لرجل سمع من رجل ألفا أو ألفين أن يجيء بحديث غريب.
قال أبو أحمد الجرجاني الذي أنكرته عليه الخطأ ولعله حدث به حفظا. وقيل لأبي زرعة في أبي معاوية، كان يرى الإرجاء؟ قال نعم كان يدعو إليه. قيل فشبابة بن سوار أيضا؟ قال نعم. قيل رجع عنه؟ قال نعم. قال الإيمان قول وعمل.
فهذا الإمام أحمد صرح بأنه تركه لكونه داعية إلى الإرجاء، وهذا علي بن المديني لم ير قوله بالإرجاء وتفرده بشيء مؤثرا في حقه، والخطأ فلا يسلم منه أحد.
والله تعالى أعلم وصلى الله على نبيه محمد وسلم

(نقلته كثيرا عن محدث العصر عبد الفتاح أبو غدة

Senin, 06 April 2009

HUKUM MENYEMIR RAMBUT DENGAN WARNA HITAM

diambil dari berbagai sumber

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَحْسَنَ مَا اخْتَضَبْتُمْ بِهِ لَهَذَا السَّوَادُ أَرْغَبُ لِنِسَائِكُمْ فِيكُمْ وَأَهْيَبُ لَكُمْ فِي صُدُورِ عَدُوِّكُمْ (أخرجه ابن ماجه)
قال الألباني: ضعيف

قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: قَدْ تَمَسَّكَ بِهِ يَعْنِي بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ مَنْ أَجَازَ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مَسْأَلَةُ اِسْتِثْنَاءِ الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ لِحَدِيثَيْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ فِي الْجِهَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ مُطْلَقًا وَأَنَّ الْأَوْلَى كَرَاهَتُهُ. وَجَنَحَ النَّوَوِيُّ إِلَى أَنَّهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَجَرِيرٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَاخْتَارَهُ اِبْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ الْخِضَابِ لَهُ، وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: "يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ بِالسَّوَادِ لَا يَجِدُونَ رِيحَ الْجَنَّةِ " ، بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى كَرَاهَةِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ بَلْ فِيهِ الْإِخْبَارُ عَنْ قَوْمٍ هَذِهِ صِفَتُهُمْ . وَعَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ : جَنِّبُوهُ السَّوَادَ بِأَنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ صَارَ شَيْبُ رَأْسِهِ مُسْتَبْشَعًا وَلَا يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ اِنْتَهَى. وَمَا قَالَهُ خِلَافُ مَا يَتَبَادَرُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثَيْنِ، نَعَمْ يَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ هُوَ عَنْ اِبْنِ شِهَابٍ قَالَ : كُنَّا نَخْضِبُ بِالسَّوَادِ إِذَا كَانَ الْوَجْهُ جَدِيدًا فَلَمَّا نَغَضَ الْوَجْهُ وَالْأَسْنَانُ تَرَكْنَاهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَفَعَهُ: "مَنْ خَضَبَ بِالسَّوَادِ سَوَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وَسَنَدُهُ لَيِّنٌ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَأَجَازَهُ لَهَا دُونَ الرَّجُلِ. وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ وَأَمَّا خَضْبُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ إِلَّا فِي التَّدَاوِي اِنْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ.

مَنْ أَجَازَ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ اِسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ فَإِنْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "غَيِّرُوا الشَّيْبَ" بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ التَّغْيِيرَ بِالسَّوَادِ أَيْضًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ" إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ" قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَوْلُهُ: "فَخَالِفُوهُمْ" إِبَاحَةٌ مِنْهُ أَنْ يُغَيِّرُوا الشَّيْبَ بِكُلِّ مَا شَاءَ الْمُغَيِّرُ لَهُ إِذْ لَمْ يَتَضَمَّنْ قَوْلُهُ: "خَالِفُوهُمْ" أَنْ اُصْبُغُوا بِكَذَا وَكَذَا دُونَ كَذَا وَكَذَا اِنْتَهَى.
وَمِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ: أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ أَوْ جَاءَ عَامَ الْفَتْحِ أَوْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَبِرَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ مِثْلُ الثَّغَامِ أَوْ الثَّغَامَةِ فَأَمَرَ أَوْ فَأُمِرَ بِهِ إِلَى نِسَائِهِ قَالَ: غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ، فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ التَّغْيِيرَ بِالسَّوَادِ أَيْضًا.
وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّغْيِيرِ فِيهِمَا بِغَيْرِ السَّوَادِ، فَإِنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقِ اِبْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ وَزَادَ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّغْيِيرِ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ التَّغْيِيرُ بِغَيْرِ السَّوَادِ .
وَأَجَابَ الْمُجَوِّزُونَ عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِأَنَّ فِي كَوْنِهَا مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرًا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ اِبْنَ جُرَيْجٍ رَاوِيَ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ كَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اِسْتِحْبَابِ الْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ مَخْلُوطًا بِالْكَتَمِ وَهُوَ يُسَوِّدُ الشَّعْرَ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْخَلْطَ يَخْتَلِفُ، فَإِنْ غَلَبَ الْكَتَمُ اِسْوَدَّ، وَكَذَا إِنْ اِسْتَوَيَا، وَإِنْ غَلَبَ الْحِنَّاءُ اِحْمَرَّ، وَالْمُرَادُ بِالْخَلْطِ فِي الْحَدِيثِ إِذَا كَانَ الْحِنَّاءُ غَالِبًا عَلَى الْكَتَمِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ،
وَفِيهِ أَنَّ الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ لَيْسَ مُقَيَّدًا بِصُورَةٍ دُونَ صُورَةٍ ، وَوَجْهُ الْجَمْعِ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِيمَا ذُكِرَ. وَمِنْهَا حَدِيثُ صُهَيْبٍ رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الصَّيْرَفِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ فِرَاسٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ زَكَرِيَّا الرَّاسِبِيُّ حَدَّثَنَا دَفَّاعُ بْنُ دَغْفَلٍ السَّدُوسِيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صُهَيْبِ الْخَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَحْسَنَ مَا اِخْتَضَبْتُمْ بِهِ لَهَذَا السَّوَادُ أَرْغَبُ لِنِسَائِكُمْ فِيكُمْ، وَأَهْيَبُ لَكُمْ فِي صُدُورِ عَدُوِّكُمْ". وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْخِضَابِ بِالسَّوَادِ وَيَقُولُ: هُوَ تَسْكِينٌ لِلزَّوْجَةِ وَأَهْيَبُ لِلْعَدُوِّ. وَذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ.
وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ دَفَّاعَ بْنَ دَغْفَلٍ وَعَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ صَيْفِيٍّ ضَعِيفَانِ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ، وَثَانِيهِمَا أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ صَيْفِيٍّ "وَهُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ زِيَادِ بْنِ صَيْفِيٍّ" عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، قَالَهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا فِي الْمِيزَانِ.
وَأُجِيبَ عَنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: بِأَنَّ دَفَّاعَ بْنَ دَغْفَلٍ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمِ وَوَثَّقَهُ اِبْنُ حِبَّانَ ، قَالَهُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ. وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ: قَالَ أَبُو حَاتِمِ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَذَكَرَهُ اِبْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، فَتَضْعِيفُ أَبِي حَاتِمِ وَقَوْلُهُ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ غَيْرُ قَادِحِ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، وَقَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ غَيْرُ قَادِحِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْهُ فِي رِجَالٍ كَثِيرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصَّحِيحِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ السَّبَبِ كَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ وَغَيْرِهِ اِنْتَهَى. فَتَوْثِيقُ اِبْنِ حِبَّانَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنِ صَيْفِيٍّ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ جَرْحٌ مُفَسَّرٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ شَيْخٌ. وَذَكَرَهُ اِبْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.
وَأُجِيبَ عَنْ الْوَجْهِ الثَّانِي بِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ :لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا اِشْتَرَطَهُ فِي قَبُولِ الْحَدِيثِ الْمُعَنْعَنِ مِنْ بَقَاءِ بَعْضِ رُوَاتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَلَوْ مَرَّةً. وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَلَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ، وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ مَبْسُوطَةٌ فِي مَقَامِهَا.
وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: "إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ وَهُوَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ فَلْيُعْلِمْهَا أَنَّهُ يَخْضِبُ"، رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ. قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ.
وَاسْتَدَلَّ الْمُجَوَّزُونَ أَيْضًا بِأَنَّ جَمْعًا مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرَهُمْ قَدْ اِخْتَضَبُوا بِالسَّوَادِ وَلَمْ يُنْقَلْ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَحَدٍ . فَمِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَكَانَ أَسَنَّ أَصْحَابِهِ أَبُو بَكْرٍ فَغَلَفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ حَتَّى قَنَأَ لَوْنُهَا وَفِي الْقَامُوسِ قَنَأَ لِحْيَتَهُ سَوَّدَهَا كَقَنَأَهَا اِنْتَهَى.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: "حَتَّى قَنَأَ لَوْنُهَا" اِشْتَدَّتْ حُمْرَتُهَا، فَفِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ الْقَافِ مَعَ النُّونِ: مَرَرْت بِأَبِي بَكْرٍ فَإِذَا لِحْيَتُهُ قَانِئَةٌ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: وَقَدْ قَنَأَ لَوْنُهَا، أَيْ شَدِيدَةُ الْحُمْرَةِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ: أَيْ حَتَّى اِشْتَدَّتْ حُمْرَتُهَا حَتَّى ضَرَبَتْ إِلَى السَّوَادِ اِنْتَهَى. وَرُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَخْرُجُ إِلَيْنَا وَكَأَنَّ لِحْيَتَهُ ضِرَامُ الْعَرْفَجِ مِنْ الْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ. قَالَ الْجَوْزِيُّ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْأَثَرِ: الضَّرَمُ لَهَبُ النَّارِ شُبِّهَتْ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَخْضِبُهَا بِالْحِنَّاءِ. وَقَالَ فِي مَادَّةِ ( ع ر ف ) الْعَرْفَجُ شَجَرٌ مَعْرُوفٌ صَغِيرٌ سَرِيعُ الِاشْتِعَالِ بِالنَّارِ وَهُوَ مِنْ نَبَاتِ الصَّيْفِ.
وَمِنْهُمْ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ: قَدْ صَحَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَخْضِبَانِ بِالسَّوَادِ، ذَكَرَ ذَلِكَ اِبْنُ جَرِيرٍ عَنْهُمَا فِي كِتَابِ تَهْذِيبِ الْآثَارِ وَذَكَرَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَحَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبُو مَسْلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ وَمُوسَى بْنُ طَلْحَةَ وَالزُّهْرِيُّ وَأَيُّوبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. وَحَكَاهُ اِبْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ مُحَارَبِ بْنِ دِثَارٍ وَيَزِيدَ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَزِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ وَغَيْلَانِ بْنِ جَامِعٍ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ اِنْتَهَى.

وَكَانَ مِمَّنْ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ وَيَقُولُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمَغَازِي وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَالْحَافِظُ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَلَهُمَا رِسَالَتَانِ مُفْرَدَتَانِ فِي جَوَازِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ، وَابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو بُرْدَةَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَشُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ وَعَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَقَالَ: إِنَّمَا شَعْرُك بِمَنْزِلَةِ ثَوْبِك فَاصْبُغْهُ بِأَيِّ لَوْنٍ شِئْت وَأَحَبُّهُ إِلَيْنَا أَحْلَكُهُ.
وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ خَضْبَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَيْرُهُمْ بِالسَّوَادِ يَنْفِيه الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ فَلَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ، وَأَمَّا عَدَمُ نَقْلِ الْإِنْكَارِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ وُقُوعِهِ. وَفِيهِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ فِي هَذَا الْبَابِ مُخْتَلِفَةٌ فَبَعْضُهَا يَنْفِيه ، وَبَعْضُهَا لَا بَلْ يُثْبِتُهُ وَيُؤَيِّدُهُ فَتَفَكَّرْ .
وَاسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ عَنْ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ اِبْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ قَالَ: أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ" فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ" دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ "وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ" مُدْرَجٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ إِلَى قَوْلِهِ: غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ فَحَسْبُ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ قَوْلُهُ "وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ" وَقَدْ سَأَلَ زُهَيْرٌ أَبَا الزُّبَيْرِ: هَلْ قَالَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ جَنِّبُوهُ السَّوَادَ؟ فَأَنْكَرَ وَقَالَ: لَا فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا حَسَنٌ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَا حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَحْمَدُ فِي حَدِيثِهِ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي قُحَافَةَ أَوْ جَاءَ عَامَ الْفَتْحِ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ مِثْلُ الثَّغَامِ أَوْ مِثْلُ الثَّغَامَةِ، قَالَ حَسَنٌ فَأُمِرَ بِهِ إِلَى نِسَائِهِ قَالَ: غَيِّرُوا هَذَا الشَّيْبَ، قَالَ حَسَنٌ قَالَ زُهَيْرٌ قُلْتُ لِأَبِي الزُّبَيْرِ: قَالَ جَنِّبُوهُ السَّوَادَ؟ قَالَ: لَا اِنْتَهَى وَزُهَيْرٌ هَذَا هُوَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمُكَنَّى بِأَبِي خَيْثَمَةَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ، وَحَسَنٌ هَذَا هُوَ حَسَنُ بْنُ مُوسَى أَحَدُ الثِّقَاتِ. وَرُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا رَوَاهُ اِبْنُ جُرَيْجٍ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَهُمَا ثِقَتَانِ ثَبْتَانِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ: "وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ " كَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا، وَزِيَادَةُ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ مَقْبُولَةٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِدْرَاجِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الزُّبَيْرِ لَا فِي جَوَابِ سُؤَالِ زُهَيْرٍ فَمَبْنِيٌّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ نَسِيَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَكَمْ مِنْ مُحَدِّثٍ قَالَ قَدْ نَسِيَ حَدِيثَهُ بَعْدَمَا أَحْدَثَهُ، وَخَضْبُ اِبْنِ جُرَيْجٍ بِالسَّوَادِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ مُدْرَجَةً كَمَا لَا يَخْفَى.
وَمِنْهَا حَدِيثُ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لَا يُرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، فَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي حُرْمَةِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ.
وَأَجَابَ الْمُجَوِّزُونَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ:
الْأَوَّلُ أَنَّ فِي سَنَدِهِ عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ أَبِي المخارق أَبَا أُمَيَّةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اِبْنُ الْجَوْزِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ.
وَقَدْ رُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ هَذَا لَيْسَ هُوَ اِبْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ أَبَا أُمَيَّةَ بَلْ هُوَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ أَبُو سَعِيدٍ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ. قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ فِي الْقَوْلِ الْمُسَدَّدِ: أَخْطَأَ اِبْنُ الْجَوْزِيِّ فَإِنَّمَا فِيهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ الثِّقَةُ الْمُخَرَّجُ لَهُ فِي الصَّحِيحِ اِنْتَهَى. وَقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ هَذَا هُوَ اِبْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ وَضَعَّفَ الْحَدِيثَ بِسَبَبِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ اِحْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا اِنْتَهَى
وَالثَّانِي أَنَّ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ عَلَى الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ بَلْ عَلَى مَعْصِيَةٍ أُخْرَى لَمْ تُذْكَرْ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ أَبِي عَاصِم ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ وَقَدْ عَرَفْت وُجُودَ طَائِفَةٍ قَدْ خَضَبُوا بِالسَّوَادِ فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ وَبَعْدَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَظَهَرَ أَنَّ الْوَعِيدَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ عَلَى الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ ، إِذَا لَوْ كَانَ الْوَعِيدُ عَلَى الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ قَوْلِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَائِدَةٌ، فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهَةِ الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.
وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَضْبِ بِالسَّوَادِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْخَضْبُ بِهِ لِغَرَضِ التَّلْبِيسِ وَالْخِدَاعِ لَا مُطْلَقًا، جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ وَهُوَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ.
وَمِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تُقَرِّبُوهُ السَّوَادَ".
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ فِي سَنَدِهِ اِبْنَ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَجْمَعَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ عَلَى ضَعْفِ اِبْنِ لَهِيعَةَ وَتَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ اِنْتَهَى، ثُمَّ هُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ بِالْعَنْعَنَةِ.
وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: "مَنْ خَضَبَ بِالسَّوَادِ سَوَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ.
وَمِنْهَا حَدِيثُ اِبْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "الصُّفْرَةُ خِضَابُ الْمُؤْمِنِ وَالْحُمْرَةُ خِضَابُ الْمُسْلِمِ وَالسَّوَادُ خِضَابُ الْكَافِرِ"، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ.
وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ: "مَنْ غَيَّرَ الْبَيَاضَ بِالسَّوَادِ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ"، ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي لِسَانِ الْمِيزَانِ.
وَأُجِيبَ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ بِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهَا لِلِاحْتِجَاجِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ ضَعَّفَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَمَا عَرَفْت: وَأَمَّا الثَّانِيفَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي التَّيْسِيرِ: إِنَّهُ مُنْكَرٌ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَنْبَرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْمِيزَانِ وَاللِّسَانِ. هَذَا وَقَدْ ذَكَرْنَا دَلَائِلَ الْمُجَوِّزِينَ وَالْمَانِعِينَ مَعَ بَيَانِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا، فَعَلَيْك أَنْ تَتَأَمَّلَ فِيهَا. وَقَدْ جَمَعَ الْحَافِظُ اِبْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ بَيْنَ حَدِيثِ جَابِرٍ وَحَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَيْنِ بِوَجْهَيْنِ فَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ النَّهْيُ عَنْ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ وَالْكَتَمُ يُسَوِّدُ الشَّعْرَ، فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّسْوِيدِ الْبَحْتِ . فَأَمَّا إِذَا أُضِيفَ إِلَى الْحِنَّاءِ شَيْءٌ آخَرُ كَالْكَتَمِ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَإِنَّ الْكَتَمَ وَالْحِنَّاءَ يَجْعَلُ الشَّعْرَ بَيْنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ بِخِلَافِ الْوَسْمَةِ فَإِنَّهَا تَجْعَلُهُ أَسْوَدَ فَاحِمًا وَهَذَا أَصَحُّ الْجَوَابَيْنِ: الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ خِضَابُ التَّدْلِيسِ كَخِصَابِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ تَغُرُّ الزَّوْجَ وَالسَّيِّدَ بِذَلِكَ وَخِضَابُ الشَّيْخِ يَغُرُّ الْمَرْأَةَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ الْغِشِّ وَالْخِدَاعِ ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ تَدْلِيسًا وَلَا خِدَاعًا فَقَدْ صَحَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَخْضِبَانِ بِالسَّوَادِ إِلَخْ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ